مبسوطة يا مصر.. في فنون "التنكيت" و"التبكيت"!

هذا كتاب تعرف -من الإهداء- أنه يتكلم عنك وينحاز إليك فحسب. وهكذا -ومن بدري- يحدد مؤلفه الكاتب الساخر جدا -والشاعر الموهوب أيضا- "أشرف توفيق" جمهوره من أول سطر: "إلى المواطن المصري البسيط الذي يركب المترو في القاهرة.. والتوك توك في باقي المحافظات"!
الإهداء ليس ما سبق فقط وإنما يحتل صفحتين كاملتين كلما التهمت سطرا منه كلما أخذت الكتاب في حضنك؛ لأن هناك أخيرا من تذكرك وكتب عنك، وهذا مثلا ما يتجلى في آخر فقرتين في الإهداء: "إلى المواطن المصري البسيط الذي غضب من احتراف لاعب في سويسرا ولم يغضب من احتراف كل فلوس مصر هناك!"، و.."إلى المواطن المصري البسيط الذي لا تصله أبدا وعود الحكومة ولا تطلعات المعارضة"!
كتاب "مبسوطة يا مصر" مقسم إلى أربعة فصول أولها يتحدث عن "امتحاناتك يا مصر" وفيه يتقمص المؤلف شخصية واضعي امتحانات الثانوية العامة لكنه يسأل عن منهج آخر غير الذي يتم تقديمه في المدارس. ومع أن الأسئلة هكذا إذن تبدو من "خارج المقرر" إلا أن إجاباتها لا بد وأن تكون معروفة للجميع خاصة إذا كانوا من هؤلاء الذين تم إهداء الكتاب إليهم. خذ مثلا هذا السؤال العويص في اللغة العربية والخاص بموضوع التعبير: "شهد بلدنا الحبيب نهضة في مجال التشييد والبناء وخصوصا بعد وصول سعر الحديد إلى 8000 جنيه للطن واحتمالات بالزيادة.. اكتب ما يمليه عليك ضميرك على أن تبدأ موضوعك بعبارة: "أنا بأشتغل في حديد محسن"!، ثم إليك هذا السؤال العويص الخاص بالمتفوقين "درسنا في السنوات السابقة في كل مراحلنا التعليمية أن أموال الضرائب تذهب لتأسيس البنية التحتية من مستشفيات وكباري وطرق وخلافه.. حدد على الخريطة -آدي دقني لو قدرت- أي مستشفى أو كوبري سليم أساسا.. وشاور لي على أي طريق مافيهوش 50 مطب!".
هذا النوع من السخرية بطعم الملح هو أكثر ما يميز كتاب "مبسوطة يا مصر" الذي تظهر فيه قدرة مؤلفه "أشرف توفيق" على تحويل أشياء راسخة الكآبة إلى "صلصال" يتشكل في يده بيسر وسهولة ويحوله إلى قنابل ضحك عنقودية -إن صح التعبير- متجاوزا المباشرة والتقليدية والتشنجات والنكد، وإن كان الأمر لا يخلو في ذات الوقت من "تبكيت" بعد "تنكيت" وهو ما يظهر مثلا في إجابتك على السؤال التالي في امتحان الجغرافيا: ".. اختر.. يزرع القمح في مصر في (الـ3 قيراط اللي عند عمك أبو سويلم -على حدود أرض البانجو بتاعة عمك حمدان- بطلنا نزرعه عشان نستورده يا افندم)!
في فصل "مرارتي يا مصر" يتحدث المؤلف عن "المرارة" فعلا! ليس من وجهة نظر طبية بكل تأكيد وإنما من خلال ذلك التعبير المصري الدارج عن الوجع الذي يصيب المرارة لما يسمع أو يرى المرء مشاهد أو موقف "تشل"! هكذا يكتب "أشرف توفيق" في "يا ريتني كنت في ثانوي" داعيا أن يكون اليوم الذي رقصت فيه الراقصة "دينا" أمام تلاميذ إحدى المدارس الثانوية هو "يوم عيد للعلم والمعلمين"!، ثم بمناسبة إجراء مسابقة لاختيار "ملكة جمال البقر في مصر" -والتي فازت بها بقرة أسيوطية أصيلة!- يدعو المؤلف -بما أنها بقت كده يعني!- إلى تنظيم مسابقات أخرى لا تقل قيمة ولا أهمية كـ" أفضل كلبة وأجمل بُرص"! ثم في مقاله الواضح من عنوانه "للمنافقين فقط" يتوصل إلى حقيقة علمية مؤكدة وهي أن الحكومة رفضت نظام البناء بالحوائط الحاملة الذي يعد أرخص بكثير من نظام البناء بالحديد المسلح وقد يساعد في حل العديد من مشكلات الإسكان بسبب أنه في كل الأحوال "العمارات كده بتقع وكده بتقع سواء بالمادة الجديدة هتقع أو بالأسمنت المغشوش والحديد البايظ هتقع يبقى إيه الفرق؟ هـأقول لك الفرق إنك ميت وأنت عامل اللي عليك تبع الدولة ومش غلطان.. يعني ميت في السليم.. إنما لو بنيت بالمادة الجديدة والقوايم البلاستيكية دي يبقى أنت كده ميت غلط وموتك غير مطابق للمواصفات"!
أما في فصل "أفلامك يا مصر" فيستخدم المؤلف ما يعرف سينمائياً بـ"البارودي" (Parody) وهو تقديم محاكاة ساخرة لأفلام درامية أو رومانسية أو تاريخية أو حتى أكشن دون أن يعني هذا تقليلا من قيمة الأفلام أو الشخصيات التي يقدمها بشكل مغاير وهو أسلوب معروف ومتداول كثيرا في الغرب، هكذا في فيلم "رجل المستحيل" يحاكي سلسلة المغامرات الشهيرة التي تحمل نفس الاسم فيصبح رمزه الكودي (ب- 516) بدلا من "ن.1"! أما تفسير الرمز الجديد فهو كالتالي "حرف الباء يعني أنه من بولاق أما الرقم 516 فده رقم الأتوبيس اللي بيركبه عشان يوصل محطة البحوث ومنها يوصل لرمسيس يغير المترو عشان ينزل محطة القبة، هذا لأن "أ.ص" رجل من نوع خاص حيث أنه يجيد كل أنواع المواصلات من الطائرات والغواصات والسوبر جيت حتى التوك توك ويجيد استخدام جميع الأسلحة من المسدس وبمب العيد وحتى القنابل النووية ويجيد جميع أنواع التنكر وجميع أنواع القتال والألعاب من التايكندو وحتى عريس وعروسة! لقد أجمع الكل -ومنهم أنا- أنه المستحيل -وربنا- أن يجيد رجل واحد في عمر جدي كل هذه المهارات ولذلك استحق هذا اللقب.. رجل المستحيل!" وعلى نفس هذا النمط الساخر يمكنك أن تتوقع إذن كيف ستشاهد أو تقرأ أفلام "معبودة الجماهير" و"رد قلبي" و"صلاح الدين الأيوبي" وقد التبست أبطالها روحا مختلفة تماما تجعل مثلا بطل "انجرّ.. رجّع لي قلبي" - الذي هو "رد قلبي"- يصبح من "الأحرار يا محسن"؛ لأنه قال في لحظة زهق ذات مرة "كفاية كفاية"!
في الفصل الأخير -ضحك الختام بالفعل- يتخلى "أشرف" أخيرا عن مصر ويتحدث هذه المرة عن نفسه ومغامراته التي خاضها منذ أيام الجامعة حتى جاء إلى القاهرة ليعيش فيها وحيدا فتتابع معه كيف حصل على مركز مشرف جدا في مسابقة الخطابة على مستوى جامعات مصر حينما تحدث بثقة معتبرا أن "الزواج المبكر هو أحد أسباب انتشار الأمية!"، وكيف نجح أخيرا في تحضير طبق أرز بمفرده قبل أن يفشل في صناعة طبق بيض مقلي؛ لأن أحدا لم ينبهه إلى أنه من المستحيل أن يفعل ذلك لو حاول قلي البيض في "طبق بلاستيك"! مرورا برحلة فريدة إلى شرم الشيخ وأخلاق "ولاد البلد" التي التبسته فدفعته لأن يمنع شاب "عضلات" من معاكسة بنات الناس في الشارع!
"مبسوطة يا مصر" كتاب من "الواقع الساخر" فعلا كما هو مكتوب على غلافه، ولعل هذا ما دفع مؤلفه لأن تكون اللغة العامية هي اللغة السائدة فيه حتى في الوصف والربط بين الأحداث ولا تقتصر فقط على الحوار، وهو أسلوب قد يعجب كثيرين وقد لايروق للبعض الآخر إلا أنه في كل الأحوال أسلوب ساحر يستخرج الضحك والقهقهات من داخلك في يسر ونعومة ودون افتعال أو ابتذال ويجعلك تتساءل بعد أن تنتهي من قراءة الكتاب عما إذا كانت مصر وأهلها مبسوطين فعلا أم لا؟!

الف شكر يا غالى

thnx ya basha 3ala el motb3a

مصر فوق الجميع و ربنا معانا و يسترها علينا و عليك
إجري ياض إنت و هوا بسرعه ........................

مش فوق اوى يعنى

فوق بس تحت شويه