ومن السنة النبوية الغراء أحاديث كثيرة :نذكر منها ما أخبر
به المصطفى (صلى الله عليه وسلم ) في إجابة لسؤال سأله أحد أصحابه ( رضى
الله عنهم ) حيث قال له (صلى الله عليه وسلم ) : من أحب الناس إليك ؟ قال
: " عائشة " (1) رضي الله عنها . وكذلك في رواية أخرى إجابة منه (صلى الله
عليه وسلم ) عن نفس السؤال قال : " فاطمة " ( رضي الله عنها ) .(2) ففي
هذين الخبرين إشارة إلى تكريم المرأة باعتبارها زوجًا وباعتبارها ابنة ،
فعندما يعلم المسلم أن أحب الناس إلى نبيه وقائده الأعظم (صلى الله عليه
وسلم ) كانت امرأة يعلم حينئذٍ قدر المرأة ويجلُّ كل امرأة تأسيًا بنبيه
(صلى الله عليه وسلم ) .
بل كان من كمال خلقه (صلى الله عليه وسلم ) أن
يصل بالهدايا صديقات زوجه خديجة ( رضي الله عنها ) فعن أنس قال :
كان النبي (صلى الله عليه وسلم ) إذا أتي بالهدية قال : " اذهبوا به
إلى فلانة ؛ فإنها كانت صديقة لخديجة » (3) .
وقوله (صلى الله
عليه وسلم ) : « استوصوا بالنساء خيرًا » (4) بما يشير
بالاهتمام بأمر النساء عامة ؛ زوجة ، وأُما ، وابنة ، وكل الصلات التي
تربط بين الرجال والنساء .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله (صلى
الله عليه وسلم ) : « لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي
منها آخر » (5) ، بل اعتبر النبي (صلى الله عليه وسلم ) مقياس
أفضلية الرجال بحسن معاملة للمرأة والزوجة بصفة خاصة لأنها أكثر امرأة
لصيقة بالرجل ، فقال (صلى الله عليه وسلم ) : « خيركم خيركم لأهله
وأنا خيركم لأهلي » (6) .
ورغب النبي (صلى الله عليه وسلم )
بالإحسان إلى الزوجة بالتوسعة عليها في النفقة : فعن أبي هريرة قال : قال
رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : « دينار أنفقته في سبيل الله ،
ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على
أهلك أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك » (7) .
وفي دعوة من
النبي (صلى الله عليه وسلم ) لإحسان معاملة الزوجة بالإنفاق والسلوك يقول
(صلى الله عليه وسلم ) : « مهما أنفقت فهو لك صدقة حتى اللقمة
ترفعها في في امرأتك »(
.
ولم يكتف الشرع الشريف بتلك النصوص
التي توضح تلك المساواة في أصل التكليف ، وأصل الحقوق والواجبات ، وإنما
تعدى الأمر إلى التوصية بالمرأة ؛ وذلك لأن المرأة أضعف من الرجل واحتمال
بغي الرجل عليها وارد ، فأوصى الشرع الشريف بها في كتابه العزيز وفي سنة
نبيه المصطفى (صلى الله عليه وسلم ) .
وتنقسم النصوص التي كرمت المرأة وأعلت منزلتها إلى نوعين من النصوص :النوع الأول : هي النصوص التي ساوت بين الرجال والنساء في أصل التكليف والحقوق والواجبات .
والنوع الثاني :هي النصوص التي أوصت الرجال بالنساء ، وهي مرحلة أعلى من النوع الأولى
فالنوع الأول إقرار بحق المرأة ومساواتها للرجل في أصل التكليف ، أما
النوع الثاني فهو توصية للرجال على النساء ، مراعاة لضعف المرأة ورقة
طبعها وخجلها فسبحانه من الله حكيم عليم لطيف ، وفيما يلي النوع الأول من
النصوص .
تصرح النصوص السابقة بأن : المرأة كالرجل في أصل
التكليف ، وأصل الحقوق والواجبات وأن الاختلاف الذي بينهما في ظاهر الحقوق
والواجبات من قبيل الوظائف والخصائص ، فلا يسمى أبدًا اختلاف الوظائف
والخصائص انتقاصًا لنوع من جنس البشر أو تميز نوع على آخر ، فمثلاً إذا
وعد أب أن يكسوَ أبنائه في العيد فالظلم هنا أو الانتقاص هو أن يكسوَ
الأبناء دون البنات ولكن ليس من الظلم أن يفرق بين نوع الملابس التي
يلبسها ابنه الذكر عن الملابس التي تلبسها ابنته الأنثى طبقًا لاختلاف
الوظائف والخصائص .
والعجيب أن هذه البديهية الواضحة سارت محل جدل عند
الآخر ، فذهب الآخرون للتسوية بين الذكر والأنثى في الأزياء وفي أنواع
الرياضات العنيفة كحمل الأثقال مثلاً ، والحمد لله رب العالمين حيث أظهروا
مفهوم العدل الذي يطالبونا به ، مما يوجب على أبناء ثقافتنا وحضارتنا أن
يكفوا عن اتباعهم والسير ورائهم وترديد كلامهم دون فهم أبعاده .
كل ما
سبق من نصوص الشرع من كتاب الله وسنة النبي (صلى الله عليه وسلم ) تؤكد
وتدلل على علو مكانة المرأة في التشريع الإسلامي ، وأنه لا يوجد تشريع
سماوي ولا أرضي سابق ولا لاحق كرم المرأة وأنصفها وحماها وحرسها مثل ذلك
التشريع الإسلامي .
وعلى الرغم من وضوح صورة المرأة في نصوص الشريعة
الإسلامية سواء في القرآن الكريم ، أو السنة النبوية الشريفة إلا أن بعضهم
يتعمدون إلقاء الشبه وما في نفوسهم من موروث العادات القديمة على بعض
النصوص النبوية ، في محاولة منهم للتضليل والتحريف لمقاصد الشرع ، ومن ذلك
ما ثار حول حديث «ناقصات عقل ودين » ، فالحديث يفيد معنى جمال
المرأة ، وقدرتها على التأثير على عقل الرجل ؛ لهن حيث قال (صلى الله عليه
وسلم ) : « ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لَبِّ منكن "
، قالت : يا رسول الله ؛ وما نقصان ديننا وعقلنا ؟ قال : " أما نقصان
العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل ، فهذا نقصان العقل ، وتمكث الليالي
ما تصلي وتفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين » (9) . فكان الحديث في
بدايته تدليل وتعجب من قدرة المرأة على التأثير على عقل أحكم الرجال ، ثم
عندما ظنت إحدى النساء أن المعنى فيه إساءة للنساء سألت النبي عن معنى ذلك
النقصان الذي أطلقه النبي (صلى الله عليه وسلم ) في بداية حديثه ، فأخبرها
النبي (صلى الله عليه وسلم ) أن هذا النقصان لا يعني دنو منزلة المرأة في
العقل والدين عن الرجل ، وإنما يعني ضعف ذاكرة المرأة غالبًا في الشهادة ،
ولذا احتاجت من يذكرها ، ويعني أيضًا ما يحدث للمرأة من أمور فسيولوجية
خاصة بطبيعتها الأنثوية مما خفف الشرع عليها أثناء هذه المتاعب الصحية في
ترك الصيام والصلاة .
فعندما فهمت المرأة قصد الشرع من نقصان العقل
والدين ، وأنه ليس إهانة للمرأة ولا إنقاص من قدر عقلها ودينها سكتت ،
وكيف تكون كل النساء أنقص في الدين من كل الرجال ، وكانت سيدة نساء
العالمين مريم بنت عمران ، وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ،
وخديجة ( رضي الله عنها ) ، وآسية كلهن يعجز أغلب الرجال أن يقتربوا من
درجتهن في العبادة والدين .
فينبغي أن يفهم ذلك النص النبوي في سياقه ،
وينبغي كذلك أن يفسر كلام النبي (صلى الله عليه وسلم ) في حدود ما فسره هو
بنفسه لا نزيد ولا ننقص ، فليس في هذا الحديث ذم لعقل المرأة أبدًا ،
وإنما هو إقرار لما قد يطرأ على كثير من النساء في نقطة واحدة وهي النسيان
، فلا داعي أن نحمِّل الحديث ما لا يحمله رسول الله (صلى الله عليه وسلم )
.
* * *
--------------------------------------------------
(1) الحاكم في المستدرك ( 4 / 13 ) .
(2) الحاكم في المستدرك ( 3 / 239 ) .
(3) الطبراني في الكبير ( 23 / 12 ) وابن عبد البر في الاستيعاب ( 4 / 1811 ) .
(4) البخاري في صحيحه ( 3 / 1212 ) ومسلم في صحيحه ( 2 / 1091 ) .
(5) مسند أحمد ( 2 / 329 ) والنسائي في الكبرى ( 7 / 295 ) .
(6) صحيح ابن حبان ( 9 / 484 ) والمستدرك للحاكم (3 / 352 ) .
(7) أحمد في مسنده ( 2 / 473 ) ومسلم في صحيحه ( 2 / 692 ) .
(
البخاري في صحيحه ( 5 / 2047 ) والترمذي في جامعه ( 4 / 430 ) .
(9) أخرجه أحمد في مسنده ( ج2 ص 66 ) والبخاري في صحيحه ( ج1 ص 116 ) ومسلم في صحيحه ( ج1 ص 86 ) .